هناك وجهة نظر تقول أن الأعشاب في أيامنا هذه ليست بحاجة للتجفيف، حيث أن كل شيىء يأخذ تلقائيا بالجفاف، بما في ذلك دمُنا! لكن هذا موضوع آخر. فلسفة تجفيف الأعشاب ورائها فوائد كثيرة لربّة المنزل بشكل خاص، و تنفيذها لا يتطلب منها دراسة كتب شيخ الإسلام الغزالي أو إبن رُشد أو أرسطو أو ديكارت و غيرهم ممّن تكلّموا بالفلسفة، إنما المطلوب فقط قراءة هذه التدوينة!

عملية التجفيف
إن عملية التجفيف هدفها توفير الأعشاب على مدار السنة و الحفاظ على طعمها و لونها. ثلاث طرق أساسية يمكن إتباعها في تجفيف الأعشاب: (1) تعليقها في الهواء، (2) تجميدها، (3) تغميسها بالزيت.

أحصُد الأعشاب. إستخدم مقصّا أو سكينا لتقص فيها الأعشاب حيثما زرعتها. إذا كان صنف الأعشاب الذي تنوي تجفيفه معمّرا (أي ينمو طوال السنة) قُصه من الكعب إذ أنه بعد القص ينمو من جديد. أما الأعشاب الأخرى التي تموت شتاءا، فيمكنك أن تقتلعها من جذورها.

إغسلها بحذر. إذا كان لابد من غسل الأعشاب المتّسخة بالأوحال و الغبار، فالأفضل أن ترشّها بالماء بشكل خفيف، و من ثم إمسحها أو لوّح بها لتجُف. أما الغسل فغير مُستحب إذ أنه يمكن أن يؤدي إلى تعفّن الأعشاب أثناء عملية التجفيف.

1- التجفيف بالهواء
قم بإزالة الأوراق القريبة من الساق و اربط ما قطفت من أعشاب ببعضها البعض و علّقها بحبل بسقف غرفة أو شرفة. لا تُكثر من عدد السيقان في كل رُزمة حتى يبقى مجال للتهوية.

أعثر على مكان جاف، و دافئ غير رطب، و مُظلم، و جيّد التهوية لتشنق فيه أعشابك من رقبتها! الحرارة المفضلة هي ما يقارب 20 درجة مؤوية.

دع الأعشاب تجف لأسبوع أو ثلاثة أسابيع. تفقّدها كل حين و انظر كيف تجري عملية التجفيف — ستلاحظ أن السيقان ستصبح أرفع و أقصر. ستعرف أن العملية قد انتهت عندما تفرك ورقة مجفّفة بيديك فتتفتّت. عندها، أصدر مرسوما قضائيا يقضي بعفو عام على أعشابك المشنوقة!

إنزع الأوراق عن سيقانها و احفظها في وعاء زجاجي مُحكم السد. باستطاعتك ترك الأوراق كاملة كما هي، أو طحنها بيديك لتُضاف بسهولة إلى وجبات الطعام. أخيرا، إحتفظ بالوعاء الزجاجي في مكان آمن – من اللصوص – لمدة سنة كحد أقصى.

2- التجميد
إتبع هذه الطريقة مع الأعشاب التي تتناسب مع فلسفة التجميد، و هي الأعشاب ذات الأوراق الطريّة، كالبقدونس، و الكُزبرة، و الطرخون (tarragon)، و الحبق (basil). هناك بعض الأعشاب التي لا يمكن تجفيفها إلا بالتجميد، و منها الثوم المعمّر (chive).

إغسل و جفف الأعشاب الطازجة ثم إنزع الأوراق عن السيقان الخشبية و ضعها في أكياس أو أوعية بلاستيكية في الثلاجة (أي حُجرة التجميد – freezer). أكتب على الوعاء إسم العشبة التي يحتويها. الآن ستبقى أعشابك محفوظة هناك لمدة 3 أشهر. بينما لو قمت بتغميس الأعشاب بماء ساخن لبضع ثوان ثم غمّستها فورا بماء مثلّج قبل أن تضعها في حجرة التجميد، ستدوم لغاية 6 أشهر في حجرة التجميد.

يفضّل بعض الطباخين أن يجمّدوا الأعشاب في مكعّبات من الجليد لتسهيل عملية الطبخ. إذا اخترت إتباع هذه الطريقة، فاجلب صينيّة و املئ ثُلثها بأوراق الأعشاب و املئ الباقي بالماء. تستطيع عند الحاجة أن تقص قطعة مجمّدة، أو ما تحتاجه للإستخدام في الطهو.

3- التغميس في الزيت
أحصد و اغسل الأعشاب بالطريقة التي تم ذكرها آنفا. إختر نوع الزيت التي تفضل إستخدامه، و إن كان يُنصح بزيت الزيتون الذي لا يُعلى عليه. لديك الحرية هنا بترك أوراق الأعشاب ملتصقة بالسيقان الخشبية. حضّر وعاءا من الزيت تحفظ فيه الأعشاب. لا مانع من إستخدام الزيت نفسه مع الأعشاب عند الطهو. أخيرا، في أشهر الصيف ضع الوعاء في البرّاد (refrigerator) أو في مكان معتدل الحرارة و استخدمه لغاية 6 أشهر.

لا بد من الإشارة أنه يمكن لطريقة التجفيف بالزيت أن تكون خطرة على صحّتك إن لم تُحسن إتمامها من ناحية التبريد و الأكسدة. سوء التجفيف في هذه الحالة سيؤدي لنمو الجراثيم و المواد السامة ذات المفعول المميت!

أخيرا، إحدى الطرق الفعالة الأخرى في تجفيف الأعشاب أن تجلب منشفة (فوطة) نظيفة و تمدّها على طاولة أو سطح أملس ثم تضع عليها أوراق الأعشاب المبلّلة أو المغسولة. ضع منشفة أخرى فوق الأولى لتغطي طبقة الأعشاب. و خلال يومين أو ثلاثة ستنشف الأعشاب لتصبح جاهزة للحفظ في وعاء مُحكم السد.

إرشادات و نصائح

  • الوقت الأمثل لقطف الأعشاب يكون إما عند المساء أو في الصباح الباكر حيث تكون الأعشاب نضرة.
  • تُقطع الأعشاب قبل موعد إزهارها عندما تكون محتوية على أعلى نسبة من الزيوت المتطايرة.
  • تعتبر كل من حجرة المؤمن، أو العلّية، أو الدور التحتاني من المزل، من أفضل الأماكن التي تساعد على إنجاح عملية التجفيف. كذلك يمكن الإعتماد على الخزانات كخيار إضافي.
  • تذكّر أن الأعشاب المجففة أقوى من الأعشاب الطازة من حيث الطعم. فملعقة صغيرة من الأعشاب المجففة تساوي ملعقة كبيرة من الأعشاب الطازجة. خُذ هذا بعين الإعتبار عند الطهو.
  • لا تستخدم المبيدات الكيميائية لترش فيها الأعشاب أو النباتات المجاورة، إذ أنها ضارة و تتطلب منك غسل الأعشاب جيدا قبل تجفيفها.
  • لا تترك الأعشاب معلّقة أو متدلّية لوقت طويل بعد أن تجف، لأنها ستفقد طعمها مع الوقت.

أود أن أضيف أنني من متّبعي فلفسة التجفيف، لذلك أحرص سنويا على تجفيف مقال عشب الليمون الذي ينمو في حديقتي. أضيفه إلى كوب من مقال الشاي الأسود في العادة ليُعطي طعما مميزا للشاي. و أحيانا أستعيض عن عشب الليمون بالنعناع المجفف غير المطحون، أو بالقصعين (المريمية) .. و هي الأعشاب التي قمت بتصوريها و إضافتها في الأعلى.

قائمة بالأعشاب و طرق تجفيفها
1- اليانسون (anise): تُقطع الأوراق الخضراء و تُغسل بماء دافئ و تُترك لتجف، و من ثم تُعلّق بالهواء كما هو مذكور في الأعلى. تُضاف الأوراق إلى الشوربا و السلطات و اللحمة. أما بذور اليانسون فتُقطف عندما يتحول لونها إلى البنّي و تُضاف إلى قوالب الحلوى، و الخُبر، و المخبوزات، كما أنها تُغلى لتُشرب كما يُشرب الشاي.
2- الكرَويا (caraway): تُجمع البذور عندما يتحول لونها إلى الرمادي المائل إلى البُنّي. توضع البذور في ماء مغلي ثم تُترك لتجف في مكان ما. و تُضاف البذور إلى السلطات و اللحوم و السمك و المخبوزات.
3- البقدونس (parsley): إقطع الأوراقها من أطرافها لتتيح لها النمو من جديد، ثم جفّفها في الهواء أو جمدّها. أضفها إلى الشوربا و السلطات.
4-  الشمّار أو الشّومرة (fennel): تُقطع الأوراق خضراء و تُجفف في كيس من الورق، أو في الهواء.
5- المردقوش (marjoram): تُقطف الأوراف و تُجمّد في حجرة التجميد. تضاف إلى السلطات و اللحوم.
6- الزعتر أو الصعتر (thyme): تُقطف الأوراق و تُجمد ثم تضاف مع مجموعة من الأعشاب الأخرى إلى السلطات و اللحوم و الصلصة و الشوربا.
و هكذا …

في الختام، رغم أن عنوان المقال “تجفيف الأعشاب” أود أن أؤكد أن التجفيف يمكن تطبيقه على الفواكه و الخضراوات أيضا كما هو ظاهر في الصورة السابقة للفلفل الحار المجفف و المطحون. لكن لهذا أخصص موضوع آخر أضيفه في المستقبل بإذن الله.

# شارك هذ المقال #