بدأت القصة منذ زمن بعيد في مدينة عكار، شمالي لبنان، وفي رواية أخرى: بدأت القصة في الساحل السوري. كان هناك نوع من الجبنة يسمّى الشنكليش (الشين مفتوحة والنون ساكنة)، مصنوع من لبن البقر أو الماعز. وهو اليوم من الأطباق المعروفة في لبنان و سوريا و ربما فلسطين.
الشنكليش – أيضا الشنغليش (shankleesh أو shanklish) – بإختصار هو جبنة معفّنة. يتم تصنيعها بطريقة معيّنة و يضاف لها البهارات و الزعتر (الصعتر). ثم تكوّر لتصبح كرات جامدة و تُحفظ بعد ذلك في حجرة التجميد (freezer).
يتناوله الناس غالبا مع وجبة الفطور أو العشاء. ويصاحبه كأس من الشاي و بعض البندورة (الطماطم) و البصل و الفلفل الأخضر و الخيار و النعناع و زيت الزيتون الأصلي.
بٌصنّف في المأكولات ضمن ما يُعرف بـ “المازَة” .. و هي كلمة إغريقية أو تركية أو فارسية تستخدم في بلاد الشام، و تعني المشهّيات أو المقبّلات – وهي أصناف المأكولات التي تُؤكل قبل أو مع الطعام لكي تحفّز و تزيد من شهيّتك. لذلك فالشنكليش ليس من الأطباق الرئيسية.
قائمة المازات اللبنانية: الحمّص (المسبّحة) – الكبّة – الكبّة النيئة – النقانق – السجق – اللبن – اللبنة – الشنكليش – التبّولة – الفتّوش – السلطة – الخرشوف (أرضي شوكي) إلخ…
صناعة الشنكليش
تتطلب عملية تحضير الشنكليش جهدا يدويا، وبعض الوقت، لكن تكلفتها المادية قليلة جدا. من هنا نبدأ:
1- نحتاج إلى نصف كوب من اللبن (الزبادي) المصنوع من حليب البقر الطازج.
2- لصنع اللبن: يتم تسخين حليب البقر في طنجرة حتى يصل إلى درجة الغليان، مع تحريكه بالملعقة دون توقف. عندما يصل إلى درجة الغليان، يُزال على الفور من على النار، ويُترك جانبا حتى يفتر (بحيث لا يحترق إصبعك إذا وضعته فيه لعشر ثواني). عندما يفتر الحليب، يُضاف إليه نصف كوب من اللبن الذي تم تحضيره مسبقا ويتم تحريكه بالملعقة. بعدها يتم تغطية طنجرة الحليب ولفّها بقطة قماش سميكة بشكل مُحكم، ونتركها تبرد لمدة 12 ساعة. وبهذا نكون قد صنعنا مقدار طنجرة من اللبن.
3- يتم سكب اللبن في وعاء عريض ويتم تغطيته (الأفضل أن يكون مصنوعا من الفخّار). هنا تبدأ عملية خضّ أو رجّ الوعاء باليد باتجاه الأمام ثم الخلف، ثم التوقّف كل عشر دقائق، حيث يُرفع الغطاء عن الوعاء ويتم قشْط (أو كشط) طبقة الزبدة أو الدَسَم التي تكوّنت على سطح اللبن. و تستمر هذه العملية إلى أن يتم إستخلاص حوالي نصف كمية الزبدة الموجودة في اللبن. وبهذا يصبح لدينا نصف طنجرة من اللبن قليل الدسم (skimmed yogurt). والجدير ذكره أن الشنكليش التجاري الذي يباع في المحلات يكون مصنوعا من اللبن الخالي تماما من الدسم، لكنه يُفضّل أن يكون فيه نسبة قليلة الدسم كما أشرت آنفا، وذلك يعطي الشكنليش طعما ألذ.
4- الآن وقد أصبح لدينا لبن قليل الدسم، يتم وضعه في طنجرة و تسخّنيه على النار حتى يتشكل طبقة من الماء الأزرق (مصل اللبن) أعلى الطنجرة و بقايا مادة بيضاء (تسمّى القريش) في أسفل الطنجرة. عندئذ تزال الطنجرة عن النار وتُترك لتبرد.
5- بعد أن تبرد الطنجرة، يُفرغ محتواها في كيس من القماش و يُترك معلّقا في الهواء لمدة 12 ساعة حتى يتصفّى من نسبة كبيرة من الماء، و بهذا تتكوّن لدينا مادة القريش كما ما هو موضّح في الصورة السابقة. بعد ذلك يُضاف الملح (و الفلفل الحار لمن يحب) إلى مادة القريش، و من ثم يمكن تشكيلها على شكل كُرات التنس. ثم توضح كُرات القريش على قطة قماش تحت أشعة الشمس (عادة فوق سطح المنزل) لمدة 10 أيام.
6- بعد 10 أيام تكون كرات القريش قد جفّت كليّا و قد ظهر عليها طبقة من الغبار أو العَفَن. يمكن إزالة طبقة العفن و الغبار من خلال حفّها بالسكين. بعد تنظيف كرات القريش، تُجمع و تُؤخذ إلى داخل المنزل وتوضع في كيس أو وعاء من الزعتر البلدي ليصبح شكلها كما في الصورة في أعلى المقالة.
7- لم يبق أمامنا سوى لفّها بقطعة قماش و حفظها في مرطبان زجاجي مضغوط و مانع لدخول للهواء حتى تتخمّر ببطىء، وتُحفظ بعيدا عن الضوء. بعد أسبوع (والأفضل بعد شهر) يتم البدء في تناوله مع طعام الفطور أو العشاء!
مبارك عليكم الشنكليش!
– شكر خاص لأخونا السوري (أبو فارس) الذي ألهمني لكتابة هذا المقال المقتبس من مدونته الإنكليزية.